lundi 1 décembre 2014

التربية بالسلوك والحال قبل أن تكون بالوعظ والمقال

م. محمد عادل فارس

مع أن التربية تتناول المعارف والقيم والمهارات، فكثيراً ما يختصرها المربّون بعلوم يلقّنونها، ثم يختبرون بها تلاميذهم!
ولا نريد هنا أن نحصر مفهوم "المربّي" بذلك الإنسان الذي كانت التربية مهنته، كالمعلّمين والمدرّسين في مختلف مراحل الدراسة من الحضانة والروضة حتى الدراسات الجامعية والعليا... فإن هناك مربّين آخرين لا يقلّ دور بعضهم في التربية عن دور المعلّمين. فالأمهات والآباء، ثم خطباء الجمعة والوعاظ، ثم الإعلاميّون في الصحافة والإذاعة والتلفاز... كل هؤلاء يسهمون في العملية التربوية، كلٌّ حسب موقعه.
وكلمة "التلاميذ" كذلك لا تقتصر إذاً على أولئك الذين تحويهم غرفة الصف، وساحة المدرسة، بل إن أولادنا جميعاً تلاميذ في بيوتنا، ثم إننا وأبناؤنا تلاميذ أمام الخطباء والوعّاظ، وبدرجة ما، نحن كذلك تلاميذ أمام رجال الإعلام الذين يسوّقون الأخبار والتحليلات والتمثيليات... بما يتضمّن ذلك كله من توجيهات وقيم.
و"الإنسان - التلميذ" كما يتأثر بكلام أستاذه (معلّمه وأبيه وشيخه...) يتأثر بسلوكه وهيئته وحاله... بل إن تأثره بـ(الحال)، كثيراً ما يفوق تأثره بالمقال.
وأعظم المربين، على الإطلاق هم الرسل الكرام، عليهم الصلاة والسلام، لذلك جعلهم الله في درجات من الكمال يصلُحون بها أن يكونوا قدوات لأقوامهم، بل كانوا كذلك يؤكدون أنهم لا يبتغون أجراً على عملهم، إنما يطلبون الأجر من الله. وهذا التأكيد نفسه إظهار لعظيم التزامهم بما يدعون إليه.
(( قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه )) سورة الممتحنة:4.
ونبي الله شعيب يقول لقومه: (( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه. إنْ أريدُ إلا الإصلاح ما استطعت )) سورة هود:88.
وجاء على ألسنة عدد من الأنبياء، في القرآن الكريم، قولهم لأقوامهم: (( وما أسألكم عليه من أجر. إن أجري إلا على رب العالمين )) سورة الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
ولما كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتَمَ النبيين، فقد كان بسَمْته وحاله ومسلكه وخشوعه وحكمته وشجاعته وصبره وحلمه...، أعظم أسوة لمن طلب الحق والصواب والترقي في معارج الكمال:
(( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ً)) سورة الأحزاب:21.
ومن شأن الناس، أنهم إذا خالطوا الرجل العظيم عن قرب، كشفوا فيه بعض جوانب النقص والضعف التي تعتري الإنسان، فضعُفت هيبته ومكانته في نفوسهم... إلا رسول الله r، فقد كان مَن رآه بديهة هابَه، ومن خالطَه عِشرةً أحبّه، وكان أقربُ الناس إليه كخديجة وعائشة، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأنس بن مالك وأبي هريرة... أكثرَهم حبّاً له وتعظيماً وتوقيراً واقتداءً.
**********
وقد أدرك الحكماء أهمية القدوة في شخص المربّي، فكثُرت في ذلك أقوالهم.
يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: "من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبّخ نفسه"
ويقول الإمام الشافعي (ت:204هـ) موصياً رجلاً كان يؤدب أولاد هارون الرشيد (ت:193هـ): "ليكنْ ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحُ نفسك، فإنما أعيُنهم معقودة بعينك. فالحَسَنُ عندهم ما تستحسِنُه، والقبيح عندهم ما تكرهه!".
ويقول مالك بن دينار (ت:131هـ): " العالم إذا لم يعمل بعمله زلَّتْ موعظته عن القلب كما يزلُّ الماء عن الصفا" والصفا: الحجر الأملس.
ويقول الشاعر:
وينشـأ ناشئ الفتيـان منّا على ما كـان عوّده أبـوه
ويقول آخر، مخاطباً المربّي:
ابدأ بنفسك فانْهَها عن غَيِّها فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ
وقد حفظ التراث التربوي الإسلامي الحكمة القائلة: "حال رجلٍ في ألف رجل، أقوى من قول رجلٍ في رجُل"
فهذه الأقوال جميعاً تؤكّد مسألتين، تكمل إحداهما الأخرى:
الأولى أن الإنسان يتأثر بمسالك الذين ربّوه أكثر مما يتأثر بأقوالهم.
الثانية أن المربي الذي لا يلتزم بما يدعو إليه الآخرين، يكون أثره فيهم ضعيفاً، ولذلك فإن عليه أن يبدأ بنفسه، فيما يقوم بغرسه من القيم.
**********
المربي الناجح يتفاعل مع تلامذته، فيتفاعلون معه، ويتودد إليهم فيتوددون إليه، وقد يصل الأمر بهم إلى درجة الاستهواء، حيث يقلّدونه ويتقمّصون شخصيته، ويتصرفون مثله، بشعور وغير شعور، وقد يعملون على أن تكون مِشيتهم كمِشيته، وضحكتهم كضحكته... ومن باب أولى أنهم يتقبّلون توجيهاته، وينفّذون أوامره... وبذلك يتمكن من تحقيق الأهداف التربوية فيهم بأسرع ما يكون، وبأعمق ما يكون. لكن هذا الأمر، بقدر ما يكون عظيم الفائدة، يمكن أن يكون عظيم الضرر. فإذا كان سلوكه وحاله على خير ما يرام، فقد أمكنه أن يُكسِب تلامذته ذلك. أما إذا كان على غير ذلك فقد يجرّهم إلى البلاء جرّاً، ولن يحلّ المشكلة أن يكون كلامه معهم سديداً، لأنهم يتأثرون بحاله أكثر مما يتأثرون بكلامه!.
وصحيح أن معظم المربين لا يَصِلُون بتلامذتهم إلى درجة الاستهواء هذه، لكنهم على كل حال يؤثّرون فيهم بسلوكهم أولاً وثانياً، ويؤثّرون فيهم بكلامهم ثالثاً، ويعظُم أثر السلوك والقول، كلما زاد حبهم لمربّيهم وثقتُهم به، وكلما كان السلوك متطابقاً مع القول.
ويكفي أن نضرب مثلاً بسلوكين يمكن أن يظهرا في المربي، أحدهما سلوك طيب حسن، والآخر ليس كذلك.
فالسلوك الأول: أن يكون لسانه رطباً بذكر الله، يسمّي اللهَ إذا بدأ، ويحمده ويستغفره ويصلي على نبيّه r، يفعل هذا بشكل عفوي، بل لا يكاد يمر عليه موقف لا يتخلله الذكر. إنه رجل ربّانيّ، وروحه الصافية تفيض على تلامذته.
والسلوك الثاني: أن يكون مدخّناً!. ولست هنا بشأن الحديث عن الأضرار البدنية والنفسية والذوقية للتدخين، ولكن بشأن اقتداء التلميذ بأستاذه فيه. فإنْ أحبّ ذلك من الأستاذ وقلّده فيه فهي كارثة، وإن قال: أستاذي جيد في كل شيء، إلا في التدخين، فإن احترامه لأستاذه سيضعف، وتأثُّره به في جوانب الخير ستضعف. وإن قال: آخذ منه ما هو خير، وأدعُ منه ما سوى ذلك، فقد ضعُفت هيبة المربي في نفسه، وقلَّ احترامه له. وإن قال: العلم والتوجيه شيء، والسلوك شيء آخر، فقد أنشأ في نفسه فِصاماً يوشك أن يتلبَّس به، فيكون تلقّيه للعلم والقيم تلقّياً ظاهراً شكلياً، لا يفيده إلا في اجتياز الامتحان أو التظاهر بالمعرفة أمام الآخرين... أما السلوك فشيء آخر!!.
**********
المربي، أباً كان أو معلّماً... يؤدي أمانة عظيمة، وسيُسأل عنها أمام الله تعالى. فليحرِصْ أن يكون في ظاهره وباطنه مُرْضياً لله تعالى، فإنْ فعل خيراً فله أجره وأجر من اقتدى به في ذلك من تلامذته، وإن كانت الأخرى فعليه إثمه وإثم من اقتدى به فيه، وإن ارتكب الإثم سرّاً، فإن هذا الإثم لا يتعدّى إلى التلميذ، ولكن يوشك أن يرشح منه ما يقلل من شأنه أمام تلميذه:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإن خالَها تخفى على الناس، تُعْلَمِ
ويكفي المعلّم شرفاً أن رسول الله r قال: "إنما بُعِثتُ معلّماً". رواه ابن ماجه.
ويكفيه مسؤوليةً أنه أسوةٌ أمام تلميذه، شاء أم أبى (( ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتيَ خيراً كثيراً. وما يذّكّرُ إلا أولو الألباب )) .

كتيب : دليل التقويم الذاتي للمدرسة

التقويم وضمان جودة التعليم




اتجاهات حديثة في تقويم أداء المتعلم



                                                          أ.د. أحمد فاروق محفوظ



مقدمة :
يحتل التقويم مكانة كبيرة في المنظومة التعليمية بكافة أبعادها وجوانبها نظراً لأهميته في تحديد مقدار ما يتحقق من الأهداف التعليمية المنشودة والتي يتوقع منها أن تنعكس إيجابياً على الطالب والعملية التربوية سواء بسواء .
    وفى إطار ما نسعى إليه وننشده من إصلاح التعليم من خلال تحسين مدخلاته وتجويد مخرجاته ، فالأمر يتطلب ضرورة إعادة النظر في أساليب تقويم الطلاب كمدخل أساسى وضرورى لأجل تحقيق الإصلاح التربوى والتعليمي .

مفهوم التقويم : Evaluation
    هناك مصطلحان في اللغة أحدهما التقييم Valuation والآخر التقويم Evaluation وبهذا يمكن أن نحدد معنى الكلمة الاولى : التقييم على أنها تحديد القيمة والقدر ، أما الكلمة الثانية ففيها هذا المعنى بالإضافة إلى معانى التعديل والتحسين والتطوير .
وفى إطار هذا المفهوم تصبح وظيفة المدرسة ليست قاصرة على الحكم على المتعلم بالنجاح أو الفشل من خلال نظام الامتحانات التقليدى بل أن مهمة المعلم ودوره تشبه أقرب إلى مهمة الطبيب لا تقتصر على مجرد قراءة ميزان الحرارة أو مقياس ضغط الدم وإنما يتجاوز ذلك التشخيص إلى العلاج .
لذا يمكن القول بأن التقييم هو مجرد إصدار أحكام أما التقويم فيتضمن إصدار الأحكام مقترنة بخطط تعديل المسار وتصويب الاتجاه في ضوء ما تسفر عنه البيانات من معلومات . ولقد عانينا تربوياً من الاقتصار على التقييم كما يتمثل في الامتحانات النهائية التقليدية والاًصح أن نسعى إلى تحويل الوجهة إلى تقويم التربوى بمعناه الشامل وأن نهتم بالتدخل للعلاج والتطوير والتحسين .
ويمكننا تعريف التقويم بأنه عملية تخطيط للحصول على معلومات أو بيانات أو حقائق عن موضوع معين ( المتعلم مثلاً ) بطريقة علمية لإصدار حكم عليه بغرض التوصل إلى تقديرات كمية و أدلة كيفية تسهم في اتخاذ أو اختيار القرار الأفضل لأجل التطوير والتحسين .

مفهوم القياس Measurement  :
يشير القياس إلى القيمة الرقمية ( الكمية ) التي يحصل عليها الطالب في الامتحان ( الاختبار) وعليه يصبح القياس عملية تعنى بالوصف الكمى للسلوك أو الاداء والتقويم هو العلمية التي تستخدم في نتائج القياس .

بعض الأسس والمبادئ العملية للتقويم :
لعلنا نتفق على الأسس والمبادئ التالية لعملية التقويم :
·        أنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها .
·        لا تقويم بدون معلومات أو بيانات أو حقائق .
·        هى عملية مخططة وليست عملية عشوائية .
·        لا بد من تحديد قيمة للشئ في ضوء معايير .
·        أنها عملية سيتم من خلالها إصدار حكم على شئ ما .
·        وسيلة إلى التطوير وتحسين الاداء .
·        عملية مستمرة طوال العام الدراسى .
·        تتوقف النتائج على جودة ودقة الأدوات المستخدمة .
·        يتناول كافة الانشطة التي يزاولها المتعلم في المدرسة .
·        الشمولية لجوانب النمو المختلفة للمتعلم .
·        تعدد الأساليب وتنوع الادوات المستخدمة .
·        عملية فنية ينبغى أن يقوم بها معلمين مدربين لهم خبراتهم الكافية .
·        لا بد أن تكون الادوات ملتزمة بخصائص الصدق والثبات والموضوعية .

أنواع التقويم :
يصنف التقويم إلى الانواع التالية طبقاً للأهداف المرجو تحقيقها :
1-  التقويم المبدئى أو القبلى ((Initial or Pre-Evaluation
ويتم قبل تعلم الطلاب لمحتوى منظومة تدريسية ( أو مقرر ، وحدة ) لتحديد ما يتوافر لدى المتعلم من خصائص ، معارف ... إلخ ترتبط بموضوع التعلم بهدف الكشف عن حاجة المتعلم إلى تعلم مهارات أو متطلبات قبل البدء في دراسة موضوع ما ومن أنواعه الاختبارات التشخيصية ، القبلية ... إلخ .
2-  التقويم التكوينى ( البنائى ) Formative Evaluation :
ويعنى استخدام التقويم أثناء عملية التدريس ويستهدف تحديد مدى تقدم الطلاب نحو الاهداف التعليمية المنشودة وتقديم تغذية راجعة Feedback للمعلم عن سير تعلم الطلاب بهدف إعطاء مزيد من الاهتمام إلى تعديل في أداء المتعلم ويضم ثلاثة مراحل هى : جمع بيانات ، تحليلها ، ثم المراجعة والتنقيح خلال التغذية الراجعة .
3-  التقويم التجميعى Summative Evaluation :
 ويعنى الحكم على إحراز نواتج التعلم بهدف اتخاذ قرارات مثل نقل المتعلم إلى مستوى أعلى أو تخرجه ويتم عادة في نهاية تدريس محتوى أو برنامج تعليمى أو في نهاية مرحلة ومن أهم أدواته المستخدمة ما يعرف بالاختبارات الختامية Final Exam
4-  التقويم البعدى :Post Evaluation
ويتم بعد انتهاء البرنامج التعليمى وانقضاء فترة زمنية ، قد تطول أو تقصر على انتهائه ويهدف إلى التحقق من مدى احتفاظ المتعلم وتطبيقه لما حصل عليه من تعلم وتتبع كفائته والتعرف على مدى احتياجه إلى برامج تجديدية أو علاجية وتنموية ... إلخ .

معايير التقويم :
تصنف معايير التقويم إلى الأنواع الرئيسية التالية :
1-  قياس جماعى المرجع  Norm-Referenced Measurement :
ويهتم بتقويم أداء الطلاب على مقياس ما في ضوء أداء أفراد آخرين على المقياس ذاته .
2-  قياس محكى المرجع : Criterion-Referenced Measurment
ويستخدم لتحديد مستوى الفرد بالنسبة لمحك ثابت بمعنى تقويم الطالب وإنجازاته وفقاً لما يحققه من مستوى على المقياس دون مقارنته بنسبة تحصيله بزملائه .
3-  قياس فردى المرجع : Self-referenced Measurement
ويقوم أساساً على تقويم الفرد في مواقف متباعدة لقياس التغير الذي يحدث في بعض خصائص الفرد ومدى تقدمه من بداية التعلم إلى الوقت الحالي .

أساليب التقويم :
تتنوع أساليب التقويم وأدواته لتلائم الاستراتيجيات والنماذج التعليمية المختلفة وكذا حسب الأهداف المنشودة من عملية التقويم ، ومن بين الأساليب المستخدمة :
ü     الاختبارات بأنواعها المختلفة ( تحريرية – شفوية – عملية ........)  :
-         التحريرية Paper and Pencil Tests
-         الشفهية Oral Tests
-         اختبارات الأداء Performance Tests
-         التحصيلية Achievement Tests
-         النفسية Psychological Tests  مثل اختبارات الميول ، الاتجاهات ، الشخصية.
-         المعملية Laboratory Tests
-         العملية Practical Tests
-         التقرير الذاتى Self Report
ü     أساليب الملاحظة Observation
ü     المقابلات Interview
ü     الاستبيانات Questionnaires
ü     السجلات والمشروعات Journal & Logs
ü     ملف الأعمال أو الإنجاز (( Student Portfolio

نظام التقويم الحالي في منظومة التعليم :
مما لا شك فيه أننا جميعاً نعيش نظام التقويم الحالي للمتعلم الذي يقتصر على الامتحانات النهائية أو الاختبارات والحكم عليه بالنجاح أو الرسوب ، وهذا النظام يخضع لمنظومة خطية Linear تكون العلاقة بين المكونات علاقة التتابع أو التوالى ، فالمكون الاول وهو الاهداف التعليمية يتلوه مكون تنفيذ العملية التعليمية ثم مكون الحكم على نجاح العملية التعليمية بالنجاح أو الفشل ، فالمتعلمون الذين ينجحون قد ينتقلون إلى مرجع إلى أو يتوقفون عن الدراسة بسبب الانتهاء منها ، أما الذين يرسبون فقد يعيدون العام الدراسى نفسه مرة أخرى أو يتوقفون عن الدراسة ( بسبب استنفاذ مرات الرسوب )

لذا فنظام التقويم الحالي لا يصل إلى درجة التقويم بل التقييم ونظم الامتحانات الحالية أصبحت بالية وقديمة حيث أنها تقيس قدرات الطالب في لحظة معينة أو تقيس قدرة واحدة من قدراته ، أو جانب واحد من جوانب التعلم ( المعرفى ) وتتجاهل أنواع وجوانب وقدرات أخرى لدى المتعلم .
فالامتحانات الحالية ( التقييم ) هى امتحانات الفرصة الواحدة والوحيدة والتي نحكم بها على التلميذ فهى أشبه بكاميرة التصوير العادية التي لا تعطينا إلا صورة ثابتة عن الفرد ولا تدل على كل حركاته وأطوار نموه . وهى أشبه بعملية فرز للطلاب بهدف العزل أو رصد بهدف التسجيل ولا تسعى إلى تنمية أو علاج أو تعزيز للمتعلم .
وهى تمثل محنة تخل بالتلميذ ومعاناة تصيب الفرد وأسرته بالتوتر لأن الامتحان التقليدى ينزل بالفرد نفسه ، مرة واحدة ، وفرصة واحدة .
ولقد وجه الخبراء المتخصصين عديد من الانتقادات إلى التقويم التقليدى من اهمها أنه يركز على مستويات معرفية دنيا ( تذكر وحفظ ) ويهمل المستويات المعرفية العليا بالإضافة إلى أنه لا يقيس قدرة المتعلم على تطبيق فهمه ومعارفه ومعلوماته في مواقف حياتية .
ولقد أوضح العديد من المتخصصين أن هذا النوع من التقويم يقوم أساساً على نظرية المدرسة السلوكية في التعلم والتي لا توفر أهمية لمشاركة المتعلم في الأنشطة التعليمية .

 

الاتجاهات الحديثة في تقويم المتعلم

كرد فعل للانتقادات التي وجهت إلى التقويم التقليدى وفى ضوء عديد من المبررات التي تستوجب إعادة النظر في هذا النظام التقليدى للتقويم و التي من أهمها :
-         أهمية ترسيخ ثقافة الاتقان والجودة والتأكيد على الجودة الشاملة .
-         التأكيد على الشخصية المتكاملة للمتعلم .
-         نظرية الذكاءات المتعددة .
-         مفهوم التعلم ( لنعرف ، لنعمل ، لنعيش مع الآخرين ، لنكون ) .
-         التعلم للتميز والتميز للجميع .
وفى ضوء هذه الانتقادات والاتجاهات وفى ضوء ما توصلت له العديد من الدراسات في مجال تقويم الطالب إلى قناعة بأن أسرع السبل إلى تغيير عمليات التعلم وتطويرها هو السعى إلى تغيير وتطوير نظام التقويم ، الامر الذي سيؤدى  حتماً وبالضرورة إلى تطوير عمليات التعلم وطرق التدريس وتمتد إلى تطوير أهداف العملية التعليمية .

التقويم كمنظومة سيبرناتية Cybernatic

ويرى هذا الاتجاه أن التقويم ليس بمنظومة خطية كما سبق الإشارة على ذلك بل أنه منظومة تعتمد على مسلمة التفاعل المتبادل بين المكونات وليست مسلمة الخط المستقيم ، وهذه المنظومة السيبرناتية أو التحكم الذاتى تتضمن التصحيح الذاتى ،

ويذكر الباحثون بأن هذه المنظومة هى الاقرب للمنظومات الطبيعية ، وأنها تتجاوز مجرد الحكم بالنجاح أو الفشل بل تسعى إلى التحسين والتطوير نتيجة لما تحققه من معلومات التغذية الراجعة والتي تؤثر بدورها على مكونات المنظومة بإعادة النظر في بعض أو معظم أو جميع مكونات منظومة التعلم ( ومنها مكون التقويم ذاته ) .
التقويم الأصيل Authentic Evaluation
لذا بدأت في التسعينيات اتجاهات حديثة لتقويم تعلم الطلاب تبنت ونادت بأن يتجه تقويم تعلم الطلاب إلى قياس أداء في مواقف حياتية حقيقية وأطلق على هذا النوع من التقويم ،اسم التقويم الأصيل Authentic  ، وأحياناً التقويم البديل Alternative ، والبعض الآخر من الباحثين استخدموا مصطلح تقويم الاداء Performance  ، ومهما يكن من تسميات فإن هذا التقويم يقوم أساساً على :
·        الاهتمام بتقويم عمليات التفكير واستخدام حل المشكلات .
·        التأكيد على التطبيق فى العالم الواقعى لما يحصل عليه من معارف ومعلومات .
·        التركيز على العمليات التى يستخدمها المتعلم لاجل الوصول إلى النتائج .
·   المتعلم ينبغى أن يكون نشطاً وفعالاً فى عملية التعلم مشاركاً فى عملية التقويم مدركاً مدى ما يحققه من تقدم خلال عملية التعلم .
ومن أهم الأشكال التى اهتم بها هذا النوع تقويم الاداء واستخدام البورتفوليو portfolio ( ملف الاعمال) ، لأجل جمع معلومات عن قدرات الطلاب فى استخدامهم لمعارفهم فى مواقف حقيقية بخلق منتج أو استجابة لما عرفوه وتجمع نتاجات أعمال الطلاب خلال فترة زمنية معينة للوقوف على مدى تقدمهم تعليمياً .
بالرغم من ذيوع وانتشار هذا الاتجاه إلى أن هناك عديد من الانتقادات والصعوبات التى واجهت التقويم الأصيل ومن أهم هذه الانتقادات التى أشارت إليها الدراسات :
-         قلة الادلة فيما يتعلق فى أن هذا التقويم يحقق تمايزاً فى قياس قدرات التفكير العليا (دراسة Tarwillger 1977) ) .
-   المعلمين غالباً ما يرفضون استخدام هذا النوع لما يتطلبه من جهد ووقت .                                    ( دراسة (Miebert & Raphael 1996
-         لم توضح نتائج استخدام هذا النوع من التقويم حدوث تفوق في مستويات الدراسة الأعلى .
-   لقد ظلت قضية الموضوعية تمثل صعوبة أساسية في هذا النوع من التقويم (دراسة Kortez  وآخرون 1993) ، ودراسة ( Herman & winters 1994) وان تقويم المقومين لملفات الانجاز للطالب تفاوتت درجاتهم حول الملف الواحد .
-   صعوبة عقد مقارنة بين أعمال الطلاب نظراً لان كل طالب يختار الأعمال التي يفضلها ولذا فالأعمال غير موحدة ونتيجة لذلك لا تتحقق الموضوعية في تقدير الدرجات أو في عقد مقارنات بين مستوى الطلاب .
-   انشغال المعلمين بعمليات هذا النوع من التقويم تؤثر على اهتمامهم بالتدريس كما أن الوقت المستقطع في عمليات التقويم يؤثر على عمليات التدريس بالإضافة إلى زيادة الأعباء على عضو هيئة التدريس دون مقابل أو معاونة .

نحو تحقيق منظومة تقويم مطور :
مما سبق يتضح لنا أننا أمام إشكالية في تقويم تعلم الطلاب ، وأن التقويم ليس بالأمر اليسير كما يبدو ظاهرياً على السطح ، وأن القياس والتقويم الفعال لتعلم الطلاب يحتاج إلى :
-         تبنى استراتيجية للتقويم تقوم على التكامل ، الشمول ، التنوع ، الاستمرارية .
-   نشر ثقافة جديدة مناهضة للثقافة القديمة ( التقويم التقليدى ) ، لإقناع أولياء الأمور والمعلمين والطلاب بأهمية تطوير وتحديث نظام التقويم .
-   الحرص على تحديد نواتج التعلم والمهارات والكفايات التي يجب على المتعلم إتقانها في نهاية كل صف دراسى أو مرحلة تعليمية ، وتحديد علامات مرجعية ومؤشرات يمكن في ضوئها الحكم على نواتج التعلم .
-         الاهتمام بإعداد الادوات والمقاييس التي ستستخدم في تقدير وتقويم التعلم .
-         تدريب المعلمين وإعدادهم على مستوى متميز نظراً لأن الغالبية منهم لم يسبق درايتهم بأنواع التقويم وأساليبه .
-   أن تتبنى الاستراتيجية الربط بين التقويم التقليدى والتقويم الاصيل بحرص وتوازن بمشاركة الخبراء والمتخصصين لأجل وضع منظومة متطورة للتقويم.
-         التطبيق لنظام التقويم المطور بحذر وحكمة حتى يمكن أن يحقق تحسين إصلاح للعملية التعليمية بناء عليه ونجاح .
ولقد تضمنت استراتيجية وزارة التربية والتعليم في عام 2002 مشروع لتطوير منظومة التقويم التربوى بدءاً من التعليم الأساسى تحت مسمى التقويم الشامل حرصت فيها على الربط بين التقويم التقليدى والتقويم الأصيل واهتمت بأن يكون التقويم شاملاً لنواحى التعلم ، مستمراً طوال العام الدراسى ، حريصاً على التشخيص والعلاج لصعوبات التعلم لدى الطلاب متنوعاً في أدواته ، ساعياً إلى مشاركة المتعلم في تقويم أدائه .
ومن عام 2003 بدأت تعميم تطبيق المشروع في المرحلة الابتدائية بالصفوف الثلاثة الاولى واتخذت الخطوات اللازمة لتنفيذ المشروع ، وينبغى أن ندرك مقدماً أن هناك العديد من الصعوبات والمشكلات التي تواجه تنفيذ المشروع وهذا امر طبيعى في أي محاولة تطوير إلا أنه بالعمل والجهد المتواصل ونشر ثقافة التحديث والتطوير يمكن أن يحقق المشروع أهدافه ويحقق تطويراً وتحسيناً وإصلاح للتعليم المصرى .
والله الموفق .

مصادر

لمزيد من القراءة في مجال المحاضرة يمكن الرجوع إلى بعض المصادر :
أنور الشرقاوى : التعلم ، القاهرة ، الانجلو المصرية 1997 .
جابر عبد الحميد جابر : التقويم التربوى والقياس النفسى ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1998.
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : اتجاهات وتجارب معاصرة في تقويم آراء التلميذ والمدرس ، القاهرة : دار الفكر العربى ، 2002 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : مدرس القرن الحادى والعشرين الفعال ، المهارات والتنمية المهنية ، القاهرة : دار الفكر العربى ، 2000 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: نحو تعلم أفضل ، إنجاز أكاديمى وتعلم اجتماعي وذكاء وجدانى ، القاهرة : دار الفكر العربى ، 2004 .
فؤاد أبو حطب : دليل المعلم في تقويم الطالب ، القاهرة : المركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى ، 1992 .
فؤاد أبو حطب وآمال صادق : علم النفس التربوى ، القاهرة : الأنجلو المصرية ، 1994 .
على السلمى : إدارة الجودة الشاملة ومتطلبات الأيزو ، القاهرة : دار غريب ، 1995 .
اليونسكو : التعلم ذلك الكنز المكنون ، القاهرة : مركز مطبوعات اليونسكو 1999.