lundi 7 septembre 2015

ابني لا يحب المدرسة "ماذا أفعل؟!" الكاتب : سهام شباط



تعدّ الجِدة والتغيير بكل أنواعهما مثاراً لاهتمام الأطفال وسائر التدريبات، فكل ما هو جديد وكبير وبراق، وأعلى صوتاً وأسرع حركة وطيراناً، وكل رنين جرس، وومض ضوء، وكل ما هو ملون أو تصدر عنه رائحة حادة أو سطح خشن، كل هذه الأشياء تجعل الطفل يتوقف وينظر وينصت في أول الأمر على الأقل، ولكن التغيير المستمر يستحوذ على الانتباه مدة طويلة، رغم أنه لا توجد في حدود علمي، دراسات تقارن بين استجابة الطفل للأشياء الجديدة واستجابته للأشياء المألوفة التي يمكن إحداث تغييرات فيها حين يعالجها الإنسان أو يتناولها مثل الأشياء التي يمكن أن يصفّها الطفل واحداً فوق الآخر أو يفك أجزاءها وغيرها من الأشياء التي تمثل صعوبة بالنسبة للطفل حين يعالجها، وهناك نتائج أبحاث أخرى تبيّن أن الأشياء التي تدعو إلى الحيرة والأعمال التي تقتضي اتباع قواعد معينة لتنفيذها بالنسبة للأطفال كل ذلك يستأثر بالانتباه أكثر من الأشياء الجديدة التي قد يكون لها تأثيرات محدودة ولكن لها استعمالات أقل وإن كانت هذه الأشياء الأخيرة تجذب الاهتمام بدرجة أكبر في البداية، وتتفق هذه الظاهرة تماماً مع خبراتنا لدى الأطفال الذين يمضون اليوم الأول أو الثاني في المدرسة مع جو جديد وأصدقاء جدد فتلاحظ أنهم كلهم انتباه إلى هذا المكان بجميع مؤثراته فمنهم من ينجذب ويتابع ومنهم من يبتعد ويعود غاضباً إلى البيت لا يريد الخروج منه ثانية إلى المدرسة.
فالأحداث المثيرة التي ينتج عنها توقعات واستجابات غير مألوفة تنبّه الأطفال كما تنبه الكبار، ولكن الاستجابة لمظاهر التغيير هذه تتوقف إلى حد بعيد على خبرة الطفل السابقة وألفته بهذه الأجواء "الروضة مثلاً". ويعتبر التعقيد والصعوبات بالنسبة للنظام التربوي لبعض الأطفال ذوي الذكاء المرتفع نوعاً من التمييز بين الأشياء بعكس ذوي الذكاء المنخفض فإنهم يواجهون مشكلات ترتد سلبياً على العملية التربوية، وهذا ما يؤكده العلماء بأن قدرة الطفل على الملاحظة تعتمد على نضجه الإدراكي بأكمله بما في ذلك عوامل التذكر والانتباه كما تتوقف على القدرة على التمييز والتصنيف المبنية على الخبرات السابقة التي أتيحت للطفل.
ولأن معظم الأطفال خلال مسار نموهم يمرون ببعض المشكلات النفسية أو بفترات مؤقتة من الاضطرابات الانفعالية التي كثيراً ما تكون جزءاً لا يتجزأ من النمو نتيجة للتغيرات البيولوجية أو الفيزيولوجية أو لزيادة الضغوط الاجتماعية والأسرية أو لحدوث تغيرات بيئية في محيط الطفل المادي.
وتكمن أهمية تناول المشكلات التي تعيق الطفل وتقدمه في كونها لا تنتهي عند سن معينة وإنما تستمر معه إلى مراحل متقدمة لذلك فإن آثارها النفسية والاجتماعية والجسدية لا تعود على الطفل فحسب بل على المجتمع ككل، ومن ثم فإن مواجهة مشكلات الطفولة ومعرفة أسبابها وطرائق علاجها تعد أمراً هاماً تهتم به سائر المجتمعات على اختلاف أنظمتها ومن أهم هذه المشكلات الخوف الذي هو أحد الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الطفل، والتي تتبدى أعراضها في مظاهر خارجية متنوعة مثل: الكذب، السرقة، العدوان، التبول اللاإرادي، النشاط الزائد، الاكتئاب، الانطواء، الخوف من الظلام، الخوف من الآخرين، الخوف من الحيوانات، الخوف من المرتفعات.. وكلها لها أسباب تربوية ونفسية، والخوف بالتعريف هو حالة انفعالية طبيعية يشعر بها الإنسان.
في كثير من المواقف الحياتية يحفظه من الخطر ويبعده عنه "الخوف من النار" وهذا ما يسمى بالخوف الطبيعي أو العادي، وهذا مفيد لأنه يحافظ على نمو الإنسان الذاتي والتقدم فيه والإبداع في عمله خوفاً من الفشل (يدرس ويبحث ويعيش..).
أما الخوف المرضي فهو عبارة عن خوف من أشياء أو موضوعات لا تثير الخوف بطبيعتها عند عامة الناس أو لا تثيره بالدرجة نفسها من الشدة، لذلك فالخوف المرضي خوف غير عقلاني أو غير منطقي يدرك الفرد في قرارة نفسه أنه خوف غير عقلاني ولكنه لا يستطيع التخلص منه والسيطرة عليه.
وهناك مخاوف كثيرة تعتري الطفل وتجعله غاضباً، متوتراً، أحياناً يتبول لا إرادياً، باكياً، مثل الخوف من الحيوانات، الخوف من الظلام، الخوف من الأماكن الجديدة بالنسبة إليه ومنها الخوف من المدرسة فهي مكان كغيرها من الأمكنة التي كانت بالنسبة للطفل في خياله مكاناً للعب والنشاط مع بقية الأطفال يمارس فيه حريته المطلقة تاركاً العنان للانعتاق من النظام مع زملائه وإذ به يواجه بنوع من القيود والنظام الذي لم يحسب له حساب بينما كان في الأسرة يأمر وينهى، يصرخ ويلعب ويملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً، ودلالاً زائدة أو قمعاً زائداً، نراه حسب رأيه في السجن وهنا المشكلة الكبرى بالنسبة له.
فهو يعاني صدمة الابتعاد عن الوالدين وصدمة الخوف من الغرباء بدخوله هذا المكان ولذلك نجد كثيراً من الأطفال يعانون من عدم القدرة على التكيف في المدرسة ولذلك يرفضون الرجوع إليها أو الخوف منها.
والخوف من المدرسة موجود لدى بعض الأطفال بنسب مختلفة حيث هناك أطفال يظهر خوفهم بصورة طبيعية وهناك من يكون خوفهم قوياً وملحاً، ولكنه معقد ولا يمت بصلة إلى شكل مرَضي محدد، لأنه ينطوي على عدد من المخاوف والاضطرابات النفسية والشخصية.
إن سلوك الأهل تجاه المدرسة يشكل أحد الأبعاد الوظيفية الهامة للإنسان ويتأثر بها الطفل، فكلما كانت نظرة الأهل للمدرسة إيجابية كان انعكاسها إيجابياً على الطفل وكذلك حالة الأهل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للأسرة تعكس نظرتهم بالنسبة للمدرسة، ولا ننسى بأن العلاقات الزوجية القائمة على الاحترام والصدق والمحبة بين الأب والأم تجعل الجو قائماً على الحوار والنقاش والتفاعل الإيجابي بين الطفل والأسرة ويكونون له المرجع السليم لكل ما يعاني منه أثناء دخوله الجديد للمدرسة.
بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي والعاطفي للطفل عند دخوله لعالمه الجديد، مسلحين باستراتيجية تربوية منظمة بالتعاون بينهم وبين المدرسة.
وهناك دراسات كثيرة بيّنت بأن اتجاهات الوالدين بالنسبة للعلم والمعرفة لها تأثير مباشر على اتجاهات الطفل إذ تنعكس الفروق في اتجاهات الأسر وممارستها على مقدار نشاط الأطفال ومدى التجديد أو الأصالة في اتجاهاتهم وفي مضمونها الاجتماعي والتربوي.
فالكل يعرف بأن لعب الأطفال مع بعضهم وداخل أسرتهم أو مع أقرانهم قبل الدخول إلى المدرسة له صدى أو تأثير كبير على دخولهم المدرسة وكيفية التعامل مع أقرانهم فيها وعلى كيفية تطبيقهم للنظام وتعاطيهم معه، فالطفل المدلل في بيته برأيه سوف يدلل في المدرسة مهما فعل وكيفما تصرف، أما الطفل الذي يعاني القهر والعقوبات والضرب في أسرته فإنه سوف يتوقع نفس النظام في المدرسة بعكس الطفل الذي رُبي على النظام والاحترام والصدق في كل شيء سوف يتوقع نفس التعامل من المدرسة، ولكل طفل من هؤلاء الأطفال سلوك يسلكه يحتاج منّا كمربين إلى طرق واستراتيجية في التعامل معه كي نجعل من المدرسة جواً محبباً وجعل الطفل في قمة سعادته "التعلم عن طريق اللعب"، لأنها أفضل الطرق لإيصال الهدف التربوي إلى مبتغاه وخاصة في المرحلة الابتدائية إذ لا توجد مدرسة ابتدائية دون نشاط أي دون لعب، طبعاً مع اختلاف نوع اللعب، "دمى، رياضة، موسيقى، تمثيل، أدوات رسم، مزج ألوان، تركيب مكعبات، تصنيع أشكال، لعب بالرمل والحصى، لعب بالماء..".
ومع ذلك نجد بأن هناك أطفالاً يتذرعون بأعذار لا يريدون من خلالها الذهاب إلى المدرسة رغم عدم وجود أسباب محددة ومقنعة لذلك، عزاها بعض العلماء إلى خوفهم من الانفصال عن الأم، أو لخوفهم من المعلم، أو من الأطفال الأكبر منهم سناً.
يعرف "لال ولال 1979" الخوف المرضي من المدرسة "فوبيا المدرسة" بأنها حالة عصبية تتميز بأعراض الخوف والقلق الحاد، وغالبية الأطفال الذين يعانون من الخوف لا يستطيعون تفسير الأسباب الداعية لخوفهم.
أما فريد مان وآخرون 1970 فيعرفون الخوف المرضي من المدرسة بأنه خوف الطفل الصغير المفاجئ من المدرسة هو مظهر من مظاهر قلق الانفصال.
وهذا يعني من التعريفات السابقة بأنه خوف مرضي يتسم في الغالب بالشدة خوف غير معقول، لا تبرره الوسائل المنطقية تجاه مكان غير مخيف بطبيعته كالمدرسة، كما أن الطفل لا يستطيع تفسيره إضافة إلى مصاحبة هذا الخوف بعض الاضطرابات النفسية والجسدية المتعددة وقد أكد "بولبي" في تقريره لمنظمة الصحة العالمية بأن التوازن العقلي للطفل مرتبط بضرورة تمتعه بعلاقة حميمة ومستقره وثابتة مع أسرته وخاصة أمه، علاقة تمكن الطرفين من العيش بسعادة ورضا، فقد بيّن هذا المؤلف براهين عدة تبين أن اضطراب الشخصية والعصاب تكونان غالباً نتيجة الحرمان من عناية الأسرة والأم أو نتيجة لعلاقة متقطعة زمنياً وغير دائمة وهذا ما يعود على علاقته بالآخرين في المدرسة ومع أقرانه بالنتائج السلبية، وأنه لذلك أصبح من المحتم على علم النفس المرضي بأن يولي أهمية بالغة لردات الفعل الناجمة عن اهتزاز هذه العلاقة أولاً وما قد يتركه ذلك من قلق وعصاب واضطراب عاطفي وعدم القدرة على إقامة علاقات عاطفية عميقة ودائمة مع الآخرين، فالطفل المحبط هو طفل ليس منسجماً مع نفسه ليحقق رغبته. لذلك هناك مواقف تظهرها إضاءة اللاوعي لكم أنتم آباء وأمهات ومربون ينبغي أن تقولوا للطفل ما الذي يعاني منه لئلاّ تبقوه مكتئباً أو ومتشنجاً، إذ عندما يُظهر الطفل ردود فعل عدائية تجاه مدرسته يكون محقاً فلا تلوموه إنما عالجوه واقتربوا من داخله.
هناك الكثير من المربين يقولون إن التربية أمر صعب جداً، ولكن إذا كانت أمراً صعباً لماذا نصبح مربين؟! نحن المحللين النفسيين نعرف لماذا نصبح محللين نفسيين إنه قدر مسجل في تاريخنا شئنا أم أبينا فهذه رسالة سوف نؤديها، ولكن المربين أصبحوا مربين (غالبيتهم وليس جميعهم) لأنهم لم يتربوا؟! نعم في الغالب لأننا نعطي ما ليس عندنا.
حكاية
سمع صبي الصف الرابع من بعض أصدقائه أنهم قرروا عدم اللعب معه في فسحة الغداء، وأن عليه أن يلعب مع طفل آخر، فبدأ الصراخ والبكاء والاتهام.. عندها لجأ أصدقاؤه إلى إرضائه والتقرّب منه؛ ولكنه رفض ذلك، وفي اليوم التالي رفض المجيء إلى المدرسة.
فالتسرب من المدارس خطر يتعرض له الأطفال المرفوضون اجتماعياً بصورة خاصة، ويزيد معدل الأطفال المرفوضين المتسربين من المدارس من (2-8 مرات) عن الأطفال الذين لهم صداقات، وقد بينت الدراسات أن 25% من الأطفال غير المحبوبين منذ المدرسة الابتدائية تسربوا قبل إتمام الدراسة الثانوية مقابل 8% كمعدل عام، وليس ذلك من المستغرب فهل تتصور أن يقضي طفل ثلاثين ساعة أسبوعياً في مكان لا يحبه فيه أحد؟!
وهناك نوعان من الميول العاطفية الشديدة تقود الأطفال إلى هذه النهاية أن يكونوا منبوذين اجتماعياً وهذا هو النوع الأول ويتمثل في الميل إلى الانفجارات الفاضية، وتصور العدوانية دون أن يقصدها أحد، والنوع الثاني أن يكون الطفل نافراً متهيباً قلقاً، خجولاً اجتماعياً، أما ما هو أكثر من هذه العوامل المزاجية، فهو أن هؤلاء الأطفال مبعدون تماماً يسبب ارتباكهم المتكرر عدم ارتياح الناس إليهم.
وبالتالي يبتعدون عنهم، ونصيبهم من الاستلطاف دون المستوى، فلا أحد يصاحبهم لأنهم يتصفون بالكآبة وعدم المرح، لا يعرفون كيف يجعلون طفلاً آخر يستريح لهم، وفي أثناء اللعب نلاحظ أنهم غشاشون، متبرمون، يتركون اللعب إذا خسروا، يتفاخرون إذا كسبوا، ومن الطبيعي أن يرغب كل الأطفال أن يكسبوا في أي لعبة، لكنهم، مهما كانت النتيجة مكسباً أو خسارة، قادرون على احتواء رد فعلهم العاطفي بما لا يهدم علاقاتهم مع الصديق الذين يلعبون معه، ومن المفهوم أن هؤلاء المرفوضين يعانون التوتر الشديد، وكثير من تشوش البال، فضلاً عن الاكتئاب والإحساس بالوحدة، والواقع أن مدى ما كان عليه الطفل من شعبية مرحب للآخرين له وهو في الصف الثالث قد أظهر أن هذا هو أفضل مؤشر لمشاكل قدراته الذهنية عند بلوغه الثامنة عشرة ولذلك وفقاً لدرجات المدرسين في الأداء المدرسي وروائز الذكاء وحتى في الاختبارات النفسية، وكما رأينا أن الناس في مراحل العمر المتقدم ممن كان لهم قلة من الأصدقاء ويشعرون بالوحدة المزمنة، معرضون لخطر الإصابة بالأمراض والموت المبكر أكثر من غيرهم، ولذلك الحل هو أن نعلم الطفل إقامة العلاقات الحميمة بحل الخلافات بينه وبين أصدقائه وتعليمه التعاون والتسامح وحب الصديق والتضحية في سبيله، وتقبل الخسارة والربح أثناء اللعب، وحب الخير لصديقه كما يحبه لنفسه، وتعويده على الحوار بينه وبين رفاقه لأنه يحتل مكاناً بارزاً في التفاعل وتقبل الآخر والإصغاء إليه والاهتمام لما يحبه الآخر وليس الانفراد برأيه هو وإخضاعه لمبدأ التسلط كما كان يفعل في البيت، وتعويده تنظيم الحوار والنقاش فكثير من الأطفال في الأسرة لا يتركون لأحد أن يتلكم، وإذا تكلم أحدهم قام بضربه والغضب منه وخاصة إذا كان الطفل مدللاً إلى درجة الميوعة.
أشكال الخوف المدرسي
النوع العصابي: يتسم هذا النوع بكونهم أطفالاً صغاراً وأغلبهم من البنات، قد أظهروا ردود فعل دراماتيكية وبداية عاجلة لحالة الخوف، وأن هؤلاء الأطفال متكيفين بشكل حسن، ومشكلتهم هي وجود عقدة من جهة الأم.
النوع المزمن: الأطفال أكبر سناً من المجموعة الأولى، يعانون اضطرابات انفعالية أكثر وضوحاً من النوع الأول، لهم تاريخ مرضي أساسي "الخوف من المدرسة واضح ومحدد" وهذا التصنيف لـ "هاهن وبيك"، وهناك تصنيفات أخرى لـ"هيروسوف الثلاثي الأبعاد" والذي يؤكد فيه على العلاقات داخل الأسرة وهي على الشكل التالي.
النوع الأول: أم متسامحة، أب مستكين، طفل ملحاح، كثير المطالب، وفي المدرسة خجول وجبان.
النوع الثاني: أم متسامحة، أب مستكين، طفل مطيع في البيت، خجول في المدرسة.
النوع الثالث: أم متسامحة بشكل زائد، أب هادئ، طفل عنيد في البيت وفي المدرسة ودود، وهناك تصنيفات كثيرة لهؤلاء الأطفال وأكثرها يؤكد على دور الأسرة في تكوين شخصية هؤلاء الأطفال وكذلك ترتيب الطفل بين إخوته، وهناك دراسة بينت أنه لا يوجد فرق بين الجنسين في درجة خوفهم من المدرسة.

ما هي الأعراض المصاحبة للخوف المرضي من المدرسة
1- الاكتئاب: الأعراض ذات المنشأ الداخلي ولا علاقة للمنزل أو المدرسة بها، بل راجعة إلى تأثيرات مزاجية طبيعية داخلية المنشأ أكثر من كونها ذات علاقة بالجو الأسري والظروف المدرسية، لذلك ينبغي عند التعامل مع هذه المشكلة التعامل أولاً مع الاكتئاب الذي يعاني منه الطفل والذي يتجلى في عدم رغبته في التعامل مع الآخرين من الزملاء والمعلمين في المدرسة، لذلك يفضل البقاء في المنزل ليحمي نفسه من المثيرات الكثيرة التي تفكر صفو هدوئه النفسي.
2- ضعف التحصيل الدراسي: هناك دراستان في هذا الخصوص دراسة تقول إن هناك فروقاً دالة إحصائياً لصالح الأطفال العاديين على حساب الأطفال الذين يعانون الخوف المرضي من المدرسي، بينما دراسة أخرى تقول بأن الأطفال الذين يعانون الخوف المرضي من المدرسة يتفوقون في دراستهم، لأنهم لا يخافون الفشل الدراسي بل يخافون الانفصال عن الأم.
3- الخوف المدرسي والقدرات الفعلية: هناك اتجاهان، الاتجاه الأول يقول: بأن الأطفال ذوي الذكاء المرتفع أكثر وعياً بالأخطار التي تحيط بهم وبالتالي يتمتعون بقدرات وإدراك أفضل للبيئة الجديدة، أما الأطفال الأقل ذكاءً فإن الخوف من الأحداث الخارقة للطبيعة تكون أكثر شيوعاً لديهم وأنهم أقل تكيفاً معها.
أما أصحاب الرأي المخالف فيقولون بعدم وجود أي علاقة بين الخوف المرضي من المدرسة والذكاء، إذن معظم الدراسات التي تناولت الخوف المرضي من المدرسة وعلاقته بالقدرات العقلية والتحصيلية انتهت إلى أن الغالبية العظمى من الأطفال يكون مستوى ذكائهم في حدود الوسط أو فوق المتوسط كما أن تحصيلهم الدراسي مقبول.
4- الخجل: هو استعداد وجداني وانفعالي يتمثل في العلاقات بين الخجول والآخرين، وهو ضرب من عدم التكيف المؤقت أو الدائم وأهم مظاهره: التعرق، جفاف الحلق، احمرار الوجه، اضطراب في الكلام والتنفس، رعب، ضيق داخلي، إحساس بالاختناق، توسع في الأوردة السطحية للجلد، والطفل الخجول يرفض الدخول إلى المدرسة أو الصف أو الوقوف أمام الطلاب، والتشديد على الأساليب الخاطئة للأسرة والمدرسة عموماً في التعامل مع هؤلاء الطلاب بالذات.
العلاج
ومن كل ما أسلفنا إن أسباب الخوف المرضي من المدرسة يعود، للطفل ذاته، للمدرسة، للأسرة، للنظام، لأساليب التربية المختلفة، للأقران.. للمجتمع ولكل سبب من هذه الأسباب طرق معالجته حتى يتسنى لنا الوصول إلى حل هذه المشكلة بالطريقة الأسلم والأنجع.
فبالنسبة للطفل هناك العلاج النفسي التحليلي الذي يقوم على تخليص الطفل من النزعات والرغبات المكبوتة في لا شعوره، وخصوصاً تلك المتناقضة أو المتعارضة مع رغبات ودافع الأسرة والمجتمع باستخدام الأساليب العلاجية التالية:
أ- فنية العلاج باللعب: وفيه يتاح للمعالج فرصة ملاحظة الطفل أثناء اللعب مما يمكنه من ضبط وتوجيه سلوكه نحو الهدف المتشوف، مع مراعاة أن يختار الطفل الألعاب التي يحبها هو دون خوف أو قلق وبالتالي هذا يقلل من أهم الدفاعات التي يلجأ إليها الطفل في تبريره لعدم الذهاب إلى المدرسة، وبذلك يخلق الثقة بين المعالج والطفل إذ يقتصر دور المعالج في تفسير دوافع ومشاعر الطفل بطريقة تتناسب مع عمره وحالته عن طريق إيصال الطفل إلى عملية الاستبصار بأصل مشكلته التي يعاني منها.
ب- العلاج السلوكي: وفيه نركز على الأعراض المصاحبة لهذا الخوف، والذي يُعد تعبيراً عن قلق الطفل وانزعاجه ولا يحتاج برأيهم إلى علاج عميق لشخصية الطفل لأن مرد خوفه المرضي من المدرسة يعود إلى أسلوب مكتسب تم عن طريق تعزيز سلوك التجنب لدى الطفل والعلاج بتعريضه للموقف الذي يخاف الطفل وينزعج منه بشكل بطيء وتدريجي.
ج- العلاج بالإضافة أو التفجر الداخلي: ويقوم هذا النوع من العلاج على تقديم بعض المناظر المتخيلة للطفل الذي يعاني الخوف بصورة متدرجة بدءاً من المثيرات ذات التأثير الكبير والتي تؤدي إلى استثارة ردود فعل القلق القوية لدى الطفل "مواجهة الطفل مواجهة مباشرة بالموقف المخيف" ودون مقدمات، ويترك حتى تبدأ درجة القلق أو الخوف نحو هذه المواقف المثيرة تتناقص تدريجياً، والهدف تعريض الطفل لموقف يخلو من أي خطر موضوعي فضلاً عن انتفاء أي تعزيز لها إلى أن يتم انطفاؤها تدريجياً.
د- التصور الانفعالي: والهدف منه مساعدة المُعالج على تخيل أو تصور المواقف التي تثير الخوف لديه بهدف تثبيط انفعال القلق أو الخوف وذلك من خلال قراءة قصة تتناول الحالة وتخيلها على نحو حي بقدر ما يمكن وأن يخبر كل الانفعالات التي تتبعها تلك التخيلات ويكون هدف المعالج الإبقاء على قلق المريض عند مستوى عال بقدر ما يمكن، وهذا للإبقاء على المواجهة القوية للموقف الأكثر قلقاً وخوفاً للطفل دون أي تحضير مسبق للمواجهة عن طريق التعريض المتدرج للمثيرات المولدة للخوف أو القلق.
أما العلاج التفجيري فهو المواجهة الإجبارية للموقف وهذه هي الطريقة المثلى.
ه- الفنيات العلاجية القائمة على نموذج التعلم الإجرائي: وهي عبارة عن تعاقد بأن تقدم مكافأة على كل استجابة يتعاون فيها الطفل والمعالج.. وهنا للوالدين دور كبير بتعزيز سلوك الطفل عندما يذهب إلى المدرسة بالأسلوب التالي:
بقاء الوالدين حازمين في قرارهما بشأن الذهاب بانتظام إلى المدرسة وعدم التراضي بهذا القرار والانصياع لبكاء أو صراخ الطفل ورفضه، والانصياع إلى أسلوب تعزيز سلوكه إذا أراد الذهاب بإرادته، والعمل على محو أي نوع من السلوك الذي يمكن أن يظهر كبديل للسلوك الأصلي غير المتوافق.
الخطوة الثانية هي استعداد المعالج النفسي للتواجد في المدرسة مع الطفل لحين يشعر بالضيق أو عدم الارتياح، وتعزيز أي سلوك يصدر عن الطفل بالاتجاه المطلوب "الذهاب إلى المدرسة" لفظياً أو سلوكاً.
وكذلك زجه بين أقرانه ومحاولة التعاون معه في تقبل الآخر وتعزيز هذا السلوك.
والتعاون مع الأهل وتسجيل جميع الملاحظات الإيجابية والسلبية داخل المدرسة وفي البيت لمناقشتها ومحاولة علاجها، ولا ننسى أن هناك حالات من الخوف المرضي من المدرسة تفوق التوقع وتحتاج إلى علاج دوائي أو كيميائي إذ يعود الخوف هنا إلى التأثيرات الناتجة عن أورام في المخ لذلك يرى الأطباء أن العقاقير والعمليات الجراحية لها أثر كبير وإيجابي وطيب في علاج مثل هذه الحالات.
وأخيراً نقول بأننا يجب أن ندعم الجو المدرسي بكثير من التشويق والجذب ليكون الصف مكاناً آمناً مريحاً للطفل نوجزها بما يلي:
- صوت المعلم وشكله وطريقة إلقائه الدرس.
- أسلوبه في السؤال والجواب القائم على المحاورة والنقاش وليس الفرض والضغط.
- انتقاء مشكلات تهم الطفل وتجذبه والابتعاد عن الرتابة والروتين في الدرس.
- إعطاء الطفل مهمات ووظائف عملية سلوكية يقوم بها مع أصدقائه "تنظيف الصف، الباحة، الاهتمام بمصادر المياه.."، وتعزيز سلوكه الإيجابي والتنبيه على السلوك السلبي بطريقة دافئة وفيها من الحب الكثير.
إعطاؤهم الفرصة لوضع لائحة لحفظ النظام وتطبيقه في المدرسة من خلال المناقشة والحوار لأن مشاركتهم في وضع النظام تفرض عليهم التمسك به وتطبيقه وليس فرضه.
- التعلم عن طريق اللعب والاستكشاف ليستطيع المعلم اكتشاف التفكير الإبداعي عند الطفل وتميزه عن الآخرين بالمقابل اكتشاف الطفل الأقل ذكاءً لمساعدته في تجاوز الأزمة وكذلك كشف الأطفال الذين يعانون من الخوف المرضي من المدرسة وابتعادهم عن الانخراط في جوها.
مراجع البحث
- فرانسواز دولتو، طرق التربية وحقائق التحليل النفسي، ترجمة: د. ماري شهرستان، دمشق 2010، دار كيوان للنشر والتوزيع.
- سليمان الريحاني: أثر نمط التنشئة الأسرية في الشعور بالأمن، دراسات، العلوم التربوية 1985م.
- لي سالك، ترجمة د. فاخر عاقل، التهيؤ للوالدية دمشق، دار طلاس 1987م.
- الذكاء العاطفي: تأليف دانييل جولمان، ترجمة: ليلى الجبالي، سلسلة عالم المعرفة 262.
- باترسون: نظريات الإرشاد والعلاج النفسي، الجزء الأول، ترجمة حامد الفقي، الكويت، دار القلم 1981.
- حسام الدين غرب، العلاج السلوكي الحديث، تعديل السلوك، طبعة ثانية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1982م.
- يوسف الخليلي وآخرون، تدريس العلوم في مراحل التعليم، دار العلم، الإمارات 1996م.


أطفال الخليج 

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire