jeudi 9 janvier 2014

دكاكين الوراقين


دكاكين الوراقين ..
 بقلم :
 يسري عبد الغني عبد الله


لعله من الممكن أن نربط بين أسواق العرب في الجاهلية: عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، وبين دكاكين أو محال بيع الكتب في الإسلام.
 في تلك الأسواق المشهورة كان العرب يجتمعون للقيام ببعض الصفقات التجارية، ولكنهم كانوا ينتهزون فرصة هذا الاجتماع ليقوموا بنشاط رائع في الناحية الأدبية، فينشدون الأشعار، ويعقدون المناظرات، ويلقون الخطب  الرنانة(1).
لقد حاكت دكاكين الوراقين الأسواق في بيع الكتب، هذه الدكاكين التي فتحت في الأصل لأعمال تجارية بحتة، ثم إذ هي تصير صرحًا للثقافة والحوار العلمي، عندما أمها المثقفون والأدباء، واتخذوا منها مكانًا لاجتماعهم وأبحاثهم.
ولم تكن دكاكين بيع الكتب محاكاة تامة لأسواق العرب في الجاهلية، بل كانت هناك نقاط خلاف بين هذه وتلك، ومن أبرز هذه النقاط أن الاجتماعات الثقافية كانت شبه يومية في حوانيت بيع الكتب، ولكنها في أسواق العرب كانت ترتبط بعمران هذه الأسواق التي ما كانت تعمر إلا في مواسم خاصة.
 ظهرت دكاكين بيع الكتب منذ مطلع الدولة العباسية(2)  (132 هـ ـ 656هـ)، ثم انتشرت بسرعة انتشارًا ملحوظًا في العواصم والبلدان المختلفة في العالم الإسلامي، وحفلت كل مدينة بل كل محلة بعدد وافر منها.
يذكر لنا اليعقوبي في جملة كلامه عن أرباض بغداد قائلاً: «... ثم ربض وضاح مولى أمير المؤمنين... وبه أكثر من مائة حانوت للوراقين»(3).
وكان في مصر على أيام الطولونيين (254 هـ ـ 292 هـ) والإخشيديين (323 هـ 358هـ) سوق عظيمة للوراقين، تعرض فيها الكتب للبيع، وأحيانًا تدور في دكاكينها المناظرات والمحاورات العلمية و الفكرية(4).
وقد تعرض المقريزي في مواضع كثيرة من كتابه (الخطط)، للحديث عن هذه المحال التي كان يجتمع فيها أهل العلم والأدب والفكر، ومن يرغب في شراء الكتب أو بيعها(5).
ولم يكن باعة الكتب مجرد تجار ينشدون الربح أو المكسب المادي، وإنما كانوا ـ في أغلب الأحايين ـ أدباء ذوي ثقافة واسعة عالية، يسعون للذة العقلية من وراء هذه المعرفة التي كانت تتيح لهم القراءة والاطلاع، وتجذب لمحالهم أهل العلم والأدب، وعلى هذا فقد حفلت أسماء الوراقين بشخصيات لامعة كابن النديم صاحب كتاب الفهرست المشهور(6).
وكذلك علي بن عيسى المعروف بابن كوجك، وقد ذكر عنه ياقوت الحموي أنه كان وراقًا، بالإضافة إلى كونه أديبًا فاضلاً، وقد ألف عدة كتب صالحة(7).
والمعروف لنا أن ياقوت الحموي مؤلف (معجم البلدان)، و(معجم الأدباء)، عمل وراقًا، بالإضافة إلى كونه أديبًا وشاعرًا وباحثًا جادًا(8).
ونحب أن نشير هنا إلى أنه رغم تغير الظروف والأحوال، فإنه مازالت في كثير من البلاد العربية والإسلامية علماء أفاضل يشتغلون بهذه المهنة، وقد تحدث السندوبي وهو يقدم لكتاب المقابسات (لأبي حيان التوحيدي) عن واحد من هؤلاء، فقال: عرفت رجلاً يبيع الكتب في حي خان الخليلي (بالقاهرة القديمة) يسمى الشيخ / عبدالملك الفشني، وكان على علم ومعرفة وسعة اطلاع، وكان يدلني بصدق وإخلاص على ما يلزمني من الكتب القيمة والأسفار النافعة، وقد كان يذاكرني في المعارف العلمية والأدبية، وينبه ذهني إلى حقائق الأشياء، ودقائق الأمور، ويشير علي بما يجب أن أقرأ من الكتب، ويدلني على الكيفية التي توصلني إلى الانتفاع بها انتفاعًا ناجحًا مثمرًا(9).
وقد قابلنا في شبابنا أو في أول رحلتنا مع العلم والمعرفة رجالا أفاضل من باعة الكتب على أرصفة حي السيدة زينب وحي الحسين وحي الأزبكية وبجوار الجامع الأزهر الشريف في القاهرة القديمة، باعة كتب أفاضل وجهونا إلى أمهات الكتب كي نطلع عليها وندرسها، ومنها عرفنا الكثير، فجزاهم الله خيرًا عن حسن عملهم.
نقول: إن مهنة الوراقة في عهد الدولة العباسية لم تقف عند حد الصفقات التجارية وبيع الكتب، وإنما كانت تتعدى ذلك إلى مهام ثقافية بالغة الأهمية في ذلك الوقت إذ كان الوراقون هم الذين ينسخون الكتب المهمة ويعرضونها للراغبين في اقتنائها، ويتقاضون على ذلك أجرًا متواضعًا متوسطه دينار عن كل كتاب.
وكان الجاحظ (شيخ العربية الأكبر)، وكما يحدثنا أبو هفان الراوية، يكتري دكاكين الوراقين، ويبيت فيها للقراءة والدراسة، وقد قيل أنه توفي في إحدى هذه الدكاكين عندما سقط عليه أحد أرفف الكتب وهو في شيخوخته(10).
والذي يعنينا هنا التأكيد على أن حوانيت الوراقين كانت منتدى ومجتمع وملتقى للطلاب وللعلماء ولكل محب للعلم والأدب والمعرفة، يتذاكرون فيها ويتناقشون ويتحاورون فيفيدون ويستفيدون، وقد أشرنا إلى ذلك في السطور السابقة، ولكننا سوف نحاول أن نجلي الأمر أكثر  فنذكر بعض الأمثلة القليلة في هذا السياق: ـ
ـ كان ياقوت الحموي يتاجر في الكتب، ويزور أسواق الوراقين من أجل أن يعرض تجارته، ويقال أنه كان متعصبًا على الإمام / علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وكان قد اطلع على بعض كتب الخوارج، فاشتبك في ذهنه من ذلك طرف قوي، فتوجه إلى دمشق السورية في سنة 613 هـ، و قعد في بعض أسواقها، وحاور بعض من يتعصب للإمام / علي..(11)، وبالطبع أي حوار بين أهل العلم والفكر يجب أن يكون على قدر كبير من سعة الأفق والتسامح واحترام الآخر مهما اختلفنا معه في أي رأي أو فكر، فالتعصب آفة تقتل الحوار البناء، وتدمر النقاش الواعي الفاعل.
ـ كان من عادة العالمين الشهيرين / أبي الفرج الأصفهاني، وأبي نصر الزجاج أن يلتقيا كثيرًا في سوق الوراقين، وفي إحدى جلساتهما كان أبو الحسن علي بن يوسف الشاعر والأديب جالسًا عند أبي الفتح بن الحراز الوراق، وهو ينشد أبيات إبراهيم بن العباس الصولي التي يقول فيها:
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها
فكانت قذى عينيه حين تجلت
فلما بلغ إليه استحسنه وكرره، حدث أبا نصر الزجاج قال: قال لي أبو الفرج الأصفهاني: قم إليه وقل له: قد أسرفت في استحسان هذا البيت، وهو كذلك، فأين موضع الصنعة فيه ؟ فقمت فقلت له ذلك فقال : قوله « وكانت قذى عينيه «، فعدت إلى الأصفهاني وعرفته ذلك فقال: عد إليه فقل له أخطأت، الصنعة في قوله «من حيث يخفى مكانها»(12)، والحوار هنا أمر لا ضرر ولا ضرار فيه طالما كان قائمًا على احترام جميع الأطراف.
ـ ووصف العلامة / ابن الجوزي (597 هـ) سوق الوراقين ببغداد في  زمنه، بقوله: إنها سوق كبيرة، وهي مجالس العلماء والشعراء(13).
ـ أما سوق باعة الكتب أو الكتبيين بمصر فنقتبس الحديث عنه من كلام المقريزي في كتابه (الخطط)، حيث يحدد مكان هذا السوق فيما بين الصاغة (الحي الذي يصنع ويباع فيه الذهب في القاهرة القديمة) والمدرسة الصالحية، ويبدو أن المقريزي وصف هذا السوق سنة 700 هـ تقريبًا، وكان سوق الكتب قبل ذلك تجاه الجانب الشرقي من جامع عمرو بن العاص (رضي الله عنه) جنوب القاهرة أو مصر القديمة كما يقال عنها الآن، وما برح هذا السوق أن أصبح مجمعًا لأهل العلم والمعرفة يترددون عليه، وينقل المقريزي ما أنشده أحد الشعراء عن هذا السوق، حيث يقول:
مجالسة السوق مذمومة
ومنها مجالس قد تحتسب
فلا تقربن غير سوق الجياد
وسوق السلاح وسوق الكتب
فهاتيك آلة أهل الوغى
وهاتيك آلة أهل الأدب(14)
نقول: لقد كان لحوانيت الوراقين في الحضارة العربية الإسلامية أثر عقلي ملحوظ، كثيرًا ما تعدى الوراقين إلى أسرهم، ومن أمثلة ذلك: زينب وحمدة ابنتا زيد الوراق، الذي كان يعيش في وادي الحمى من غرناطة الأندلسية، فقد برعتا في الآداب والعلوم، وكانتا على قدم المساواة مع أساتذة العصر، ولعل ذلك دليل على مشاركة المرأة في الحضارة العربية الإسلامية في شتى مجالات العلم والمعرفة، بل ونبوغها وتفوقها في هذه المجالات(15).
هذا، ولم يقف النشاط العلمي بالدكاكين على حوانيت الوراقين بل انتقل منها إلى غيرها من مجال البيع والشراء، فإلى الحانوت المتواضع الذي كان الشاعر العباسي/ أبو العتاهية يبيع فيه الجرار والفخار كان يتوافد الشباب والمتأدبون فينشدهم أبو العتاهية أشعاره، ثم يأخذ هؤلاء ما تكسر من الخزف فيكتبون عليها أشعاره(16).
وكان أبو بكر الصبغي المتوفى سنة 344 هـ، يصنع الصبغ بنفسه ويبيعه في حانوته، وكان هو من أعيان فقهاء الشافعية، كثير السماع والحديث، وكان حانوته مجمع الحفاظ والمحدثين، وكان عبد الله بن يعقوب يجلس على باب هذا الحانوت يقرأ للناس(17).
ويروي أبو الحاج عن بعض شيوخه: أن رجلاً رحل في طلب العلم إلى بغداد، فقرأ ما شاء الله له أن يقرأ، ثم أراد الانصراف إلى وطنه، فاكترى دابة يركبها ليخرج من البلدة، ولكنه وقف ليشتري صاحب الدابة بعض حاجاته، فسمع الطالب نقاشًا علميًا يدور بين اثنين من أصحاب الحوانيت المتجاورة فطلب الطالب من صاحب الدابة إعادته إلى بغداد قائلاً: إن بلدا باعته في هذه المنزلة من العلم لا ينبغي أن يرحل عنه(18).
ومازال في بعض العواصم العربية والإسلامية حوانيت لبيع وشراء الكتب وبالذات في الأحياء القديمة منها، ورغم أنها لا تلعب الدور الرائع والمتميز الذي كانت تلعبه حوانيت الكتب في العصور الذهبية للحضارة العربية الإسلامية، إلا أن بعض أصحابها مازالوا يتمتعون بقدر لا بأس به من العلم والمعرفة فيستطيعون الحوار المفيد مع كل من يذهب لشراء أحد الكتب أو يسأل عن كتاب يهمه..
الهوامش:

1 - أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، طبعة الساسي، 4 / 35.
2 - فليب حتى، تاريخ العرب، لندن، 1949 م، ص 414.
3 - اليعقوبي، كتاب البلدان، ليدن، هولندا، بدون تاريخ، ص 17.
4 - ابن زولاق، أخبار سيبويه المصري، مخطوطة محفوظة بمكتبة تيمور باشا بقسم المخطوطات في دار الكتب المصرية (تاريخ)، الصفحات 33 ـ 44 .
5 -المقريزي، الخطط، القاهرة، 1170 هـ، 1 / 361، 2 / 96، 102.
6 - ياقوت الحموي، معجم الأدباء، نشرة مارجليوث، لندن، بدون تاريخ، 6 / 408.
7 - ياقوت الحموي، معجم الأدباء، نشرة مارجليوث، لندن، بدون تاريخ، 5 / 179.  
8 - ابن خلكان، وفيات الأعيان، القاهرة، 1275 هـ، 2 / 311 ـ 312، بتصرف من عندنا.
9 - أحمد شلبي، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1987 م، ص 67، بتصرف من عندنا.
10 - ياقوت الحموي، معجم الأدباء، نشرة مارجليوث، لندن، بدون تاريخ، 6 / 56 بتصرف.
11 - ابن خلكان، وفيات الأعيان، القاهرة، 1275 هـ، 2 / 311، بتصرف.
12 - ياقوت الحموي، معجم الأدباء، نشرة مارجليوث، لندن، 5 / 157 ـ 158.  
13 - عبد الرحمن بن الجوزي، مناقب بغداد، بغداد، 1343 هـ، ص 29.
14 - المقريزي، الخطط،  القاهرة، 1170 هـ، 2 / 102.
15 - أحمد شلبي، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1987 م، ص 69، بتصرف من عندنا.
16 - أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، طبعة الساسي، 3/ 129.
17 - السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة، 1324هـ، 2 / 168.
18 - أبو الحاج، الألف باء للألباء، مخطوطة مصورة، بقسم المخطوطات بدار الكتب المصرية، عن الأصل المحفوظ بمكتبة با يزيد، باستنبول، تركيا، تحت رقم 5336، ص 147.


المصدر : موقع مجلة المعرفة 

samedi 4 janvier 2014

صيف مدارس اليابان وكوريا الجنوبية.. تعليــم بنكهة الترفيه

صيف مدارس اليابان وكوريا الجنوبية.. تعليــم بنكهة الترفيه



يشكل مستوى التعليم أحد أهم المعايير، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، التي يقاس بها مدى تقدم ونهوض الدول، وتعد التجربة اليابانية مثالاً جديرًا بالنظرة الفاحصة، والتأمل المُتكامل الأبعاد، كذلك الحال بالنسبة للتجربة الكورية الجنوبية التي أخذت كثيرًا من سابقتها، واستطاعت أن تؤدي دورًا فاعلا في الإصلاح المجتمعي والتقدم الحضاري، ولسنا هنا لإلقاء الضوء على أبعاد هاتين التجربتين، فقد نالتا قسطــًا وافرًا من الأبحاث والدراسات التحليلية، ولكن لنأخذ طرفــًا منها، هو النشاط الصيفي الذي هو بحد ذاته مُتعة تعليمية بنكهة الترويح والترفيه.
يبدأ الطفل الياباني في الولوج المدرسي الإلزامي وهو في ربيعه السادس إلى أن يصل لسِن الخامسة عشرة، ويصبح له الاختيار لمواصلة الدراسة في أي من المراحل التعليمية التالية، وبحسب الإحصاءات، فإن نحو ثلاثة أرباع التلاميذ يدرسون في المدارس الثانوية العامة، بينما الباقي يلتحق بالمدارس الفنية، وعلى خِلاف جل سنوات العام الدراسي المعروفة في العالم، فإن العام الدراسي الفعلي في اليابان يتراوح بين 240 و250 يومـــًا، بزيادة عن العام الدراسي الفعلي في الولايات المتحدة الأمريكية، تصل نسبتها إلى نحو 25%. وبداية العام تكون في الأول من  إبريل، ونهايته في الخامس والعشرين من شهر مارس، يتخلله عدد من العُطلات، من أطولها عُطلة الربيع، التي تصل إلى نحو 10 أيام، ومثلها عُطلة رأس السنة الميلادية، بينما العُطلة الصيفية، وهي الأطول على الإطلاق، فتصل إلى نحو 40 يومـــًا.. وعدد ساعات الدوام المدرسي، هي الأطول مُقارنة بأي دولة أُخرى، حيث تبدأ من الثامنة صباحـــًا، وتنتهي في الرابعة تقريبــًا، ويظل المُعلمون والمعلمات، داخل المدرسة حتى السادسة مساءً. وكثافة الفصول في المرحلة الابتدائية، لا تتجاوز  الــ 40 تلميذًا، يتلقون المواد المُقررة في المنهج، وتشمل اللغة اليابانية والإنجليزية كلُغة ثانية والرياضيات والعلوم وتكنولوجيا المعلومات والدراسات الاجتماعية والموسيقى والحِرف والتربية البدنية والاقتصاد المنزلي.
في كوريا الجنوبية، تمتد أيام السنة الدراسية نحو 270 يومــًا، موزعة على فصلين دراسيين، الأول مُدته نحو 5 أشهر، والثاني يمتد إلى نحو 4 أشهر، واليوم الدراسي يبدأ من التاسعة صباحــًا، وينتهي ما بين الثانية والثالثة ظهرًا للابتدائي، ويمتد إلى الرابعة للثانوي، ويتخلله فُسحة للغداء.والإجازات الأطول، التي تُمنح للمدارس الكورية، هي إجازة سنوية شتوية، ومُدتها شهران، وأجازة سنوية صيفية، ومدتها شهر واحد.
صيف مدارس اليابان
 والإجازة الصيفية، في المدارس اليابانية، على قِصرها النسبي، هي فترة ثرية للأطفال، حيث يتسابقون لمُمارسة الأنشطة، المُفيدة للجسم والعقل معــًا، وثمة دراسات تُشير إلى أهميتها واعتبارها امتدادًا وتواصلًا طبيعيًا للوصول إلى أهداف المنهج والمواد الدراسية.. فمدرسة التعليم الأساسي، تُتيح لتلاميذها خلال العُطلة الصيفية برامج مُنظمة وموزعة على أيام مُحددة للقيام بواجبات وتنفيذ مشروعات ذات قيمة لهم ولوطنهم، تدعمها مؤسسات المُجتمع المدني والشركات، مثل حملات النظافة والتجميل، ومشروع الارتقاء بالمواهب، وتبني أفكارهم، أو توفير الإمكانات لهم، لمُمارسة الفنون التقليدية اليابانية، ومنها فن الشودو، الذي يجمع بين الكتابة بالحروف صينية الأصل (كانجي)، وصوتيات نُطقها (كانا)، باستخدام الصبغ والرسم بالفرشاة والحبر، في إطار نوع محلي في الفن التشكيلي، وأيضــًا مُمارسة فن الهايكو، الذي يعود تاريخه إلى قُرابة الــ 400 سنة مضت، وهو عبارة عن شِعر شعبي، تجمعه قصيدة، مقسمة إلى 17 مقطعــًا، ويتسم هذا الفن بتعبيراته البسيطة، ومشاعره الصادقة. إلى جانب ذلك، تنظم المُسابقات الخاصة بتنمية ذكاء الأطفال، ومُسابقات أُخرى للرياضة البدنية، وتنظيم الرحلات وإقامة مُعسكرات الكشافة ونحوها من الأنشطة التي تأخذ طابع الترويح والترفيه، بينما هي في جوهرها تستهدف تنمية قيم المواطنة وروح الجماعة وإبراز المهارات في كافة المجالات.
وبالرغم من أن النشاط الصيفي في المدارس اليابانية ليس إجباريًا، إلا أن جل الأطفال يحرصون على الانخراط فيه، صيف مدارس التعليم الأساسي في اليابان لا يحمل الفراغ، أو تتناقل فيه عدوى الخمول والركون إلى الراحة بين الطُلاب، بل هو صيف يأخذ الطابع المُميز للشخصية اليابانية الدائبة  النشاط التي تعشق النظام، وتتفنن في التشويق والابتكار، ومن المنظور التربوي، فإن ذلك يُحقق:
- تعزيز الثِقة في النفس والتدريب على تحمل المسؤولية.
- إعلاء قيمة الحوار الفعال، وتقبل آراء الآخرين.
- إعلاء قيمة العمل والنهوض بالإنتاج.
- تكوين اتجاهات ذات بناء علمي سليم.
- الترويح عن النفس وتجديد النشاط وإشباع الرغبات.
- الابتكارية  في الأداء.
- البناء السلوكي السوي واتخاذ القُدوة الصالحة.
- غرس قيم الانتماء وحُب الوطن .
- إدراك ماهية البيئة والمُساهمة بفاعلية في الحفاظ على مُكوناتها.
- الاهتمام بالصحـة والعناية بالـقـوام الســليم، وصقل المهارات الحركية التي تتناسب مع عُمر الطالب.
- التعرف على المعالم الجُغرافيــة والآثار التاريخيـة والمزارات الســياحيـة للبلاد، بما يخدم الجانب النظري للمنهج المدرسي.
صيف مدارس كوريا الجنوبية 
وخلال الإجازة الصيفية التي تُمنح للمدارس في كوريا الجنوبية، والتي تُقارب الــ 30 يومـًا فقط، فإن ثمة نشاطًا لافتـًا  للانتباه، يُمارسه الطُلاب، خاصة في مرحلتي الابتدائية والإعدادية، يتمثل في الانضمام إلى مُعسكرات شبه عسكرية، يتلقون فيها تدريبات، تشمل زيادة القوة الذاتية والقُدرة على تحمل المصاعب ومعلومات أساسية حول التعامل مع حالات التعرض للأسلحة الكيميائية أو تسرب الإشعاعات، وقد تمتد هذه المُعسكرات، في كثير من المدارس، إلى أكثر من سِتة أيام.
وتُتيح المدارس الكورية، التي تفتح أبوابها يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا، حتى الثالثة من بعد الظُهر، طوال فترة الإجازة الصيفية، المزيد من الأنشطة للطُلاب، وبخاصة المُتعلقة بالرسم والموسيقى والأعمال اليدوية والمُسابقات الرياضية، وتحظى هذه الأنشطة، بدعم وتشجيع من أولياء الأمور، حيث يحرص الكثيرون منهم، على تقديم المُساعدات، بينما يقوم آخرون بالتطوع، لإلقاء المُحاضرات.
وتحرص جل المدارس على تنظيم أنشطتها الصيفية في إطار مُخطط تعليمي تربوي، يُصنف إلى ثلاث فئات رئيسة، هي : 
- أولا: أنشطة اختيارية، بمُعدل 4 إلى 8 ساعات أسبوعيــًا، يختار منها الطالب، نشاطين من الأنشطة المُحددة، ضِمن المُخطط (الرسم ــ إنتاج الإنسان الآلي ــ لعبة الشطرنج ــ العزف على الناي، أو البيانو ــ فن الخزف..الخ).
- ثانيًا: التقوية في مواد أدبية وعِلمية، بمُعدل  سبع ساعات أسبوعيـــًا، ويستفيد منها المُتفوق والضعيف، على حد سواء، خاصة في مجالات الُلغة الوطنية، والتعبير الكتابي، والرياضيات، والحاسوب، والعلوم واللغة الإنجليزية..إلخ.
- ثالثـــــًا: برامج العناية بالطُلاب، ومُدتها من 3 - 10 ساعات أسبوعيـــًا، وفيها يكون المُعلم، موجهــًا ومُرشدًا، في حل العديد من القضايا العِلمية، عن طريق ألعاب الرياضيات، وألعاب المُكعبات، وتركيب الصور، ونحوها.
وإذا كان المُخطط العام، لبرامج الأنشطة الصيفية يوضع من قِبل لجنة من خُبراء التربيـة بالوزارة، إلا أنـه يُـترَك لكل مدرسـة حُـريـة الاختيار، من بين الأنشـطة، مـا يُـنـاسب احتياجات تلاميذها، وما يبدونـه من رغبات..
وبحسب المُخطط العام، فإن المُستهدف من الأنشطة الصيفية، في المدارس الكوريـة:
ـــ  إتاحة البيئة المُلائمة لأعمار الأطفال للتعبير الحُر عن مكنون مواهبهم، وإظهار ملَكة الإبداع لديهم.
ـــ تحقيق الانتماء المُجتمعي، وتوطيد أواصر العلاقة بين المدرسة والبيئة المُحيطة.
ـــ تقديم خدمات تعليمية غير تقليدية تتسم بالتشويق والترفيه.
ـــ تقديم الرعاية المُتكاملة للأطفال، خاصة صِغار السِن، الذين ينشغل آباؤهم وأمهاتهم، بالعمل خارج المنزل لساعات طويلة من اليوم.
ـــ التعرف على مُستجدات العِلم والتقنية وتحفيز الأطفال على الابتكار، باعتبار ذلك طريقهم نحو مُستقبل أفضل.
ـــ التدريب على التعل�'ُم الذاتي المُستمر.
- احترام الوقت، وتقدير قيمة العمل.
- اكتساب مهارات لحل المُشكلات.
- التدريب على القيادة الحكيمة والتبعية المُنضبطة.
- تعزيز الصفات البدنية في ضوء الخصائص العُمرية. 
- تهذيب الطباع والميول.
ـــ غرس حُب مِهنة الشرطي والجُندي.
ـــ التشجيع على ارتياد المكتبة واكتساب مهارة انتقاء الكُتب النافعة والمُناسبة للمرحلة العُمرية. 

أهــم المـراجــع 
- نور ميميتسو أونيشي : تلاميذ كوريا الجنوبية ، يذهبون لمدارس صيفية..ودروس خصوصية ، في العُطلة ــ صحيفة نيويورك تايمز ( نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط ــ العدد 9771 ــ الاثنين 25 رجب 1426 هـ / 29 أغسطس 2005م).
-  عُطلة طلابية ، على الطريقة الكورية الجنوبية ــــ تقرير لوكالة رويترز .
-  تقرير زيارة وفد وزارة التربية والتعليم السعودية ، لكوريا الجنوبية .
-  أعداد مُتفرقة من مجلة اليابان ـــ  تصدر عن مركز الإعلام والثقافة ــ  سفارة اليابان بالقاهرة .
-  مواقع  لوزارتي التربية والتعليم ، في كُل من اليابان ، وكوريا الجنوبية ، على شبكة الإنترنت .



مجلة المعرفة

كاريكاتور اليوم


قصة معلم متميز الجزء الثالث

قصة معلم متميز الجزء الثاني

قصة معلم متميز الجزء الأول

أفضل معلم الرياضيات على مستوى العالم ( إقرا الوصف قبل مشاهدة المقطع)

خمسون طريقة لتعلم طفلك الثقة بالنفس

بريطانيا تلغي قاعدة "ممنوع اللمس" المفروضة على المعلمين تجاه التلاميذ

بريطانيا تلغي قاعدة "ممنوع اللمس" المفروضة على المعلمين تجاه التلاميذ


لندن :رويترز

قال وزير التعليم البريطاني مايكل جوف ان القواعد التي تمنع المعلمين من زجر التلاميذ أو تشجيعهم عن طريق التلامس البدني ستلغى في اطار خطط لضمان تحسين قدرة المعلمين على فرض سيطرتهم داخل الفصل الدراسي.
وفي مقابلة نشرت في عدد أمس السبت من صحيفة الجارديان قال جوف انه "سيوضح ويقلص" دليل المعلمين للانضباط والترهيب الذي يضم حوالي ألف صفحة.
وقال جوف "يخشى المعلمون اذا فرضوا درجة من الانضباط أن ينشق تلميذ ويقول "أعرف حقوقي" ومن ثم يصبح المعلمون متحفظين ازاء فرض سيطرتهم."
ووعد جوف بانهاء ما يسمى قواعد "ممنوع اللمس" المطبقة في العديد من المدارس وهو ما لا يشجع المعلمين على القيام بتلامس بدني مع الاطفال رغم انه قال انه لا يؤمن بالسماح للمعلمين بضرب الاطفال.
وقال جوف "أعتقد أن المعلمين بحاجة الى معرفة أن بامكانهم زجر الاطفال بدنيا وبامكانهم التدخل بين طفلين تسببا في مشكلة وبامكانهم طردهم من حجرة الدراسة."
وأضاف "الشيء المهم هو أن يعرف المعلمون انهم مسيطرون وانهم سيتلقون الدعم من هذه الادارة والنظام القضائي."

وقال جوف أيضا أن المعلمين سيمنحون سلطة تفتيش الاطفال بحثا عن أي شيء محظور وفقا لقواعد المدرسة ووعد بحق عدم الكشف عن هوية المعلمين الذين تواجههم اتهامات من التلاميذ.
http://www.aleqt.com/

ماهي مميزات المعلم الناجح؟

 ماهي مميزات المعلم الناجح؟



1* تنوع في أساليب الدرس ( مع الأخذ بعين الاعتبار, استخدام فعاليات مختلفة

2* التخطيط للدرس بشكل مسبق: تحديد الأهداف 
المرجو تحقيقها من الدرس, وتحديد مبنى الدرس, الوسائل, الأنشطة, الفعاليات, طرق التقييم

3* دائما يكون على إطلاع بكل ما هو جديد خاصة بما يتعلق بتخصصه وتزويد الطلاب به

4* علاقة صداقه ودية مبنية على الاحترام المتبادل بينه وبين الطلاب

5*  أن تكون لغة المعلم واضحة وتنمي قدرات التفكير عند الطلاب وعلى السؤال أن يكون واضحا وبسيطا وغير مركب

6* الفصل بين الحالة الشخصية والحالة النفسية

7* أن يتلاءم المظهر الخارجي مع التعليم

8* أن يراعي الفروق الفردية المتواجدة في الصف, مثلا طالب لديه مشاكل في النظر من الأفضل آن يكون مقعده في الأمام وان يكون لينا ( يلائم نفسه مع الظروف الطارئة التي يمكن أن تحدث بالمدرسة أو بالحصة)

9* المعاملة العادلة والمتساوية ( المساواة) مع كل الطلاب بدون تمييز

10* استعمال تعزيزات ايجابية وسلبية ( مثل الحرمان )

11* صقل شخصية الطالب من خلال إعطائه مهام التي تؤدي به إلى تحمل المسؤولية
     * 12 تكون لديه القدرة للسيطرة على الصف
     * 13 المواظبة والالتزام بالوقت
    *   14 الجدية أثناء العمل مع القليل من روح الفكاهة
     * 15 تعزيز القيم والمبادئ في نفوس الطلاب ( أن يكون المعلم نموذجا ايجابيا للتقليد )
16 الحفاظ على خصوصيات الطالب واسراره
17 التنقل والحركة بين التلاميذ
18 تفعل الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالفعاليات الصفية
19 أن تكون لديه الدافعية والنشاط الكافي لإنجاح الدرس
20 أن تكون لديه القدرة على حل المشاكل

21 أن تكون لديه قدرة على ايصال المادة
22 أثناء الدرس يجب استخدام وسائل إيضاح التي تتلاءم مع الدرس والتي هدفها ( تطبيق المادة)
23 الإخلاص والتفاني في عمله
24يجب آن تكون نبرة صوته واضحة وان تتلاءم مع المادة المدرسة وأيضا مع احتياجات الطلاب 

من الآن فصاعدا: ممنوع على المعلمين التدخين في اكثر من 250 مدرسة في اسرائيل




تشارك اكثر من 250 مدرسة في إسرائيل بحملة "مدارس نظيفة من التدخين"، في إطار المشروع الوطني "ممكن صحي"، حيث لا يتم تخصيص أي زاوية للتدخين في المدرسة لا للطلاب ولا للمعلمين، في المدارس المشاركة. وقد أفادت مراقبة فرع الصحة في وزارة المعارف أن "هدف المشروع هو إدخال عادات وطريقة حياة صحية وحيوية في المدارس والمجتمع.
ويشار إلى أنه ستتم مراقبة سير المشروع في المدارس عن طريق لجنة خاصة فيها ممثلين من مكاتب الحكومة والسلطات المحلية ولجان الآباء، إضافة لدور الهيئات التدريسية بتطبيق الحملة عن طريق إشتراك المعلمين بورشات إقلاع عن التدخين، تحت رعاية صناديق المرضى..


عقاب ومخالفة

وقد اشارت مراقبة فرع الصحة في وزارة المعارف أيضا أن "الحملة تعتمد على الشرح والتوعية والتربية، دون اللجوء لأسلوب العقاب، لمن يتم ضبطه يقوم بالتدخين داخل المدرسة"، واكدت أن "الحملة تهدف أيضا لجعل المعلمين نموذجا يحتذى به، وكل ما يتعلق بدفع ضرائب لكل من يخالف ويقوم بالتدخين يعود للسلطة المحلية، ولن تقوم الوزارة بمراقبة هذا الموضوع."

vendredi 3 janvier 2014

نحو مجتمع معلم

نحو مجتمع معلم
                                                                         حميد بن خيبش



إن ما يعتري المشهد التعليمي اليوم من أعراض النكوص و التذمر ولعبة شد الحبل المزمنة بين الفاعلين التربويين و الوزارة الوصية , أرخى بظلاله على العلاقة بين المؤسسة التعليمية و محيطها الاجتماعي . وبدأت الشكوك تساور الآباء و أولياء الأمور حول صدق المدرسة العمومية في التزامها بما يُعلن عنه دوما في الخطاب الرسمي , من حيث كونها رافعة للتنمية , وعتبة ضرورية  لإيجاد موطيء قدم في سوق الشغل . بل يمكن القول أن هذه الشكوك اتخذت طابعا عمليا ممثلا في تنامي ظاهرة الهدر المدرسي , و الإقبال المتزايد على التعليم الخاص .
بيد أن القراءة الرصينة للتوتر الحاصل بين المدرسة العمومية و المجتمع , تُحمل هذا الأخير نصيبا من المسؤولية , باعتبار أنها – أي المدرسة – جزء من بنيته الأساسية . فحتى تضطلع المؤسسة التعليمية بأدوارها الرائدة لا بد أن تنفتح على مجتمع "معلم " . وهو الذي اشترط الدكتور حسن شحاتة في إحدى رؤاه المميزة بأن تكون كل مؤسساته و تفاعلاته قوى معلمة : الأسرة و الإعلام وموقع العمل و التعامل مع الغير .. إلخ (1).
هل يمكننا الجزم بوجود مؤازرة فاعلة وجادة من لدن هذه المؤسسات للمدرسة العمومية ؟
إن الرد بالإيجاب سينطوي حتما على مجانبة لحقيقة الوضع الهش الذي يسم العلاقة بين الطرفين . لذا فإن الكشف عن مواطن الداء خُطوة ممهدة لتحقيق نوع من المصالحة و التفاعل المثمر بين المؤسسات سالفة الذكر.
تأتي الأسرة في مقدمة القوى "المعلمة" التي يُفترض فيها نسج علاقة متينة مع المدرسة , إلا أن هذه العلاقة لا ينبغي أن تنحصر في هدف أوحد , كما هو حاصل اليوم , قوامه إنجاح المسار الدراسي للطفل بأي وجه كان , حتى لو اقتضى الأمر ردم البناء القيمي !
بل لا بد من التعامل معها باعتبارها كذلك فضاء مكملا للتنشئة الأسرية , ولترسيخ القيم و السلوكيات الإيجابية . وقد تنبه الزعيم المغربي علال الفاسي مبكرا لخطورة هذا الأمر, ودعا في كتابه المميز " النقد الذاتي" إلى مراعاة التوازن بين كسب الرزق و استكمال تشرب القيم المعنوية " - إن- كسب الرزق مثلا لايُمكن أن يُهمل في الاعتبار التربوي , لأن تعليم الناس حرفة أو مهنة يستطيعون بها مغالبة الحياة و سد حاجتها أمر ضروري التقدير , إلا أنه لا يُعقل أن يكون هدفا كاملا للتربية ;لأنا لو جعلنا المثل الأعلى للمدرسة و للبيت هو في تكوين أناس قادرين على الكسب لقضينا على كل القيم المعنوية في النفوس و في المجتمع ,و لأصبحت غاية الجميع هي جمع بعض المال بوسيلة من الوسائل ولو كانت ممنوعة أو دنيئة " (2) وإن مما يحزن حقا أن نعاين اليوم ما حذر منه الأستاذ علال الفاسي , من حيث السعي المحموم الذي تبذله عدد من  الأسر المغربية لتمكين أبنائها من اجتياز الامتحانات و الحصول على الشهادات التعليمية , ولو تطلب الأمر الرضوخ لقيم سلبية مدمرة كالغش و الرشوة و التزوير واستغلال النفوذ .

وفيما يتعلق بالإعلام (3), فإن من نافل القول الحديث عن عظم شأنه و خطورة دوره في تطوير الفكر ورفع منسوب الوعي العام شريطة استكماله لمقوماته و أصوله , و انخراطه الجاد في مهام البناء وتقوية مناعة الأمة . إلا أن الواقع المغربي يكشف عن نموذجين لا يمكن الرهان على أحدهما , أو حتى كليهما , لتفعيل أدوار المجتمع المعلم كما نصبو إليه .
يتمثل النموذج الأول في الإعلام الرسمي الذي لا يكف عن الكيل بمكيالين في تعامله مع المدرسة العمومية . فمن جهة يحرص على تلميع سياسته التعليمية و ترويج خطاب مغرق في التفاؤل عبر الاتكاء على المعطى الكمي و لغة الإحصاءات و الأرقام . ومن جهة أخرى يُحملها  عبء التصدي للمشاكل و المآزق و الأزمات الاجتماعية مما يوحي للمتتبع بأنها المتهم الرئيسي في ملف شيوع الانحرافات و الظواهر السلبية !
أما النموذج الثاني فهو الإعلام التغريبي الخادم لأجندة مناوئة لهوية الأمة و معتقدها و قيمها الراسخة . فلا هم له سوى تسطيح الفكر , و تفتيت منظومة القيم , و الزج بالمجتمع في هوامش إلهاء بغيضة تشل القدرات و تؤجج الصراعات . و إعلام من هذه الطينة لا يُمكن أن يُشكل قوة معلمة, بل هو معول هدم و إطاحة بما تجهد المدرسة في بنائه وتثبيته !
لذا فإن الحاجة ملحة لنموذج إعلامي بديل , يضع المرفق التعليمي في صلب الانشغال اليومي , ويُؤسس لمنظور جديد في التعامل مع المدرسة كمدخل حيوي للبناء الحضاري .

ولكي تصبح قطاعات العمل و الإنتاج قوى "معلمة" ينبغي أن تحد من تعاملها مع المدرسة العمومية كتجمع للمستهلكين الصغار , وأن تسهم بشكل فاعل في دعم المرفق التعليمي مما يحسن من كفاءة المخرجات التعليمية التي ستتولى آجلا إدارة عجلة الاقتصاد.
و إنا لنغبط التجربة اليابانية التي تُجسد فيها المصانع و الشركات قوى معلمة بالغة الأثر . فمن المعلوم أن اليابان في طليعة الدول التي استثمرت في الرأسمال البشري من منطلق أن أعظم اكتشاف هو الإنسان ذاته . ووجهت كل مكونات المجتمع , بما فيها الاقتصاد , لغرس عناصر الطموح و التحدي و تفجير القدرات الخلاقة للإنسان الياباني . ولعل من ثمار هذا الاهتمام البالغ ما صرح به الاقتصادي الياباني " دوكو" ,عندما سُئل عن عبقرية الإنسان الياباني و علاقته بالصناعة, قائلا " إن المصانع ليست إلا أسرة , إنها حياة العائلة الواحدة , بكل ما في كلمة العائلة من معنى ريفي قديم , فالمصنع عائلة مرتبطة تماما , وعمال المصنع قد وُلدوا ليموتوا في داخله . و إذا ترك الواحد منهم هذا المصنع , فإنه لن يذهب مطلقا إلى مصنع منافس , وإذا حاول أحد عمال هذه المصانع أن يذهب إلى مصنع منافس , فإن المصنع لن يقبله لأن العائلات أسرار , و العائلات اليابانية تتنافس ولكنها لا تتصارع , إنما تتفوق على المصانع الأوربية و الأمريكية  , من أجل عظم و رفاهية الشعب الياباني كله " (4).

و حتى تصبح هيئات المجتمع المدني قوى معلمة يجدر بها أن تنخرط إلى جانب المؤسسة التعليمية في تعزيز التطبيق الفعال لحقوق الإنسان , و اتخاذها شريكا أساسيا في التطوير المنسق للبرامج و القدرات , لا مجرد فضاء للدعاية الفجة .
وقس على ذلك ما يهم قطاع الرياضة و الفنون وغيرها .

إن الاكتفاء بما تبذله المؤسسة التعليمية وحدها لمواجهة أشكال الفوضى الاجتماعية و الخلل الوظيفي داخل الأسرة  لن يعيد للبناء الاجتماعي تماسكه , و لن يُحقق الاستقرار الضروري لإنجاح المشاريع و المبادرات الرامية إلى  تطوير فرص العيش في عالم متقلب . لذا فإن اندماج المجتمع بمختلف مكوناته كشريك في العملية التربوية لهو أمر لا مناص منه لمواجهة عوائق الإصلاح و النهوض الحضاري .  
 
  



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)          د.حسن شحاتة : رؤى تربوية و تعليمية .دار العالم العربي .القاهرة 2008. ص 39
(2)          علال الفاسي : النقد الذاتي . المطبعة العالمية . القاهرة 1952. ص 326
(3)          نقصد الإعلام السمعي و البصري فقط , بالنظر إلى سطوته و حضوره الطاغي.  
(4)          سلمان بونعمان : التجربة اليابانية :دراسة في أسس النموذج النهضوي.مركز نماء للبحوث و الدراسات .بيروت2012 .  ص 125